لماذا تتجسس عليك الشركات التقنية ؟ و لما تحاول إنتهاك خصوصيتك ؟

لماذا تتجسس عليك الشركات التقنية ؟ و لما تحاول إنتهاك خصوصيتك ؟

أصبحت المعلومات الشخصية للمستخدمين وقوداً يحرك الشركات التقنية و يجعلها تطور برمجيات أكثر و أكثر من أجل سرقة و إنتهاك معلوماتك الشخصية، إذ أصبح الحافز الذي يجعل اي شركة تقنية الآن توفر لك برمجيات و خدمات أسعارها مئات الدولارات بشكل مجاني، هو الحصول على بياناتك التي تسوى آلاف الدولارات بالمقابل، قد تصرح الشركة  بالأمر بشكل علني في سياسة الإستخدام الخاصة بها، و قد لا تصرح به الى حين ان يتم إنهتاك خصوصيتها هي الأخرى لتكتشف انها قامت بسرقة و إستغلال بياناتك الشخصية. 

أنت بالطبع ايها المستخدم، ترى ذلك الخبر و تضحك عليه قليلا و تتجاوزه كما لو ان لا شيئ قد حدث، بل في الواقع، في كل مرة نقوم بنشر خبر بأن إحدى الشركات التقنية بدأت تتجسس على مستخدميها و تنتهك خصوصيتهم و غيرها، يتبادر الكثيرون بالتعليقات الساخرة، فهذا يخبرك انه لا نفع من تجسسهم عليه لأنه لا يحمل شفرات  إطلاق صواريخ نووية، و هذا يخبرك انهم لن يفهمو شيئا من لغته مع صديقه ذاك.

  لماذا تتجسس عليك الشركات التقنية ؟ و لما تحاول إنتهاك خصوصيتك ؟



المنشور جانبه عينة بسيطة على ما نتحدث عنه، إن توجهت للتعليقات، ستجدها كلها ساخرة، يدعي صاحبها التعالي على ان فيسبوك - في هذه الحالة - لن تستفيد منه أي شيئ، فلا هو يتحدث لغتهم و لا هم يتحدثون لغتهم، و إن فهمو ما يقوله، فلن يستفيدو شيئاً فهو لا يحمل شفرات إختراق الـ CIA او أكواد الولوج للصواريخ النووية او كلمات السر الخاصة بنظريات المؤامرة التي تخشى شركات مثل فيسبوك ان يكشفها أشخاص مثله.
و لا نلوم صاحبه، فذلك عائد لجهله بكيف يتم إستغلال هذه البيانات و كيف يتم توظيفها و أين و متى، بل حتى انه لا يملك فكرة عن طريقة إستخراج و سحب هذه البيانات من أساسه. 

إذن لنوضح لك الأمر بشكل أكبر، إليك مجموعة أسباب و نتائج كذلك تسعى الشركات التقنية لتحقيقها عبر التجسس على بياناتك و معلومات الشخصية، و لا، الحصول على شفرات إطلاق صاروخ نووي ليست من بينها !

أيضا، بخصوص مسألة اللغة، تقوم شركات مثل فيسبوك بإستئجار شركات مصغرة (Firms) في عدة مناطق في العالم مثل المغرب و مصر و الجزائر و السعودية و الكويت و غيرها ، هذه الشركات يتم إستئجارها من طرف فيسبوك لتقوم بمراقبة المنشورات التي يتم نشرها في المنصة في تلك المنطقة حذف ما يخالف منها قوانين فيسبوك مثل منشورات الكراهية او بيع المخدرات كما يقومون بالإجابة عن التبليغات، لذلك هؤلاء الأشخاص يتحدثون لغتك كليا و يفهمونها و ربما يضحكون على بعض الميمز العنصرية التي تنشرها قبل ان يقومو بحذفها و حظرك من النشرة لفترة. 

1 - تتجسس عليك الشركات لأغراض تسويقية : 


يعتبر السبب الأساسي لتجسسها عليك، قبل سنوات، إن ارادت شركة رائدة في مجال الموضة مثلا إطلاق نظارات في السوق، فهي تجمع 100 او 200 شخص للتجربة و تعرض عليهم النظارات و يقومون بمعاينتها و تقديم رأيهم، و في الأخير يتم جمع هذه الإحصائيات و الخروج بنتيجة محددة، و لازالت ضرورية و فعالة حتى الآن في مجال الإحصائيات (Statistics).
إلا ان الأمر كان مرهقا بالنسبة للشركات و يكلف الكثير من الوقت و الجهد، أما الآن فكل ما تحتاج فعله هذه الشركات هو الإتصال بفيسبوك او جوجل او باقي الشركات الأخرى مخبرة إياهم انها تريد الإعلان عن نظارات حمراء في السوق، تقوم تلك الشركات المتجسسة بتجميع المعلومات عن أي شخص عاشق للنظارات ( يضع ضمن إهتماماته الموضة او النظارات او اي شيئ ) ثم تقوم بدراسة كل منشوراته، تعليقاته و حتى رسائله، قد تجد ان بعضهم يعلق او يراسل : " الأسود هو اللون الوحيد الذي يُظهر جمال النظارات "، فإنها تراسل الشركة بأن نظاراتها قد تكون أفضل بالأسود لا بالأحمر.
تحصل شركات ذات تفرعات كبيرة مثل فيسبوك و جوجل على مبالغ طائلة مقابل توفير معلومات عن الرغبات التسويقية للشركات الأخرى، إذ تعتبر أفكار جديدة لمنتجاتها التي تقوم بتصنيعها و هي على دراية كاملة انها ستلقى رواجا في السوق.

2 - تتجسس عليك الشركات لأغراض إحصائية : 

هل سمعت يوما بموقع YouGov؟ إليك هذه المعلومة المضحكة، قبل سنوات روج الكثير من المدونين التقنيين لموقع YouGov على أنه موقع يوفر لك إمكانية ربح 50 دولار بشكل بسيط، لكن في الحقيقة موقع YouGov هو موقع إحصائيات و تجميع بيانات، يقوم الموقع بإطلاق حملة إحصائية حول موضوع معين مثل : نسبة الأمان في بلدك، فيطرح الموقع على مئات المستخدمين مجموعة من الإستفسارات و الأسئلة، يقوم المستخدمون بالإجابة و الدفع لهم بالمقابل، يقوم الموقع بتجميع تلك البيانات و الإستطلاعات و الخروج بنتائج محددة لبلدان عديدة و نجد إحصائيات YouGov في الكثير من الإستطلاعات.
لكن موقع YouGov او اي مواقع شبيهة ليست دقيقة، لأن الكثيرين يجيبون بعشوائية بهدف ربح المال في الأخير مما يقود الى إحصائيات خاطئة كليا، لكن مع تجسس الشركات التقنية عليك، أصبح بإمكانهم معرفة النسبة التقريبية للأمان في بلدك عن طريق الكثير من المستخدمين و الخروج بنتائج محددة شبه دقيقة.
نرى ان فيسبوك، جوجل، آبل و غيرها دائما ما تصدر إحصائيات مختلفة ( و إن كانت قريبة فقط لمجال التقنية ) لكنها في الحقيقة ترسل إحصائياتها لحكومات بلدان العالم بمبالغ ضخمة جدا، و تتسائل انت لما جريدتك الصباحية تحمل عنوان : " 84% من سكان المغرب لا يشعرون بالامان في بلدهم " رغم انه لم يتم إستفسارك إطلاقا حول هذا الإستطلاع.

3 - تتجسس عليك الشركات لمعرفة توجهاتك السياسية ... و تغييرها ! 

الحرب السياسية قائمة بذاتها كذلك، و لربما أشهرها كان إنتخابات أمريكا التي وضعت كلا من " دونالد ترامب " و " هيلاري كلينتو " في الساحة، و قد تسمع كثيراً عن تدخل الحكومة الروسية الإنتخابات الأمريكية، و ربما شاهدت كذلك كلا من الرئيس التنفيذي لفيسبوك و جوجل يدليان بشهادتيهما امام الكونغرس الأمريكيحول منصتيهما خصوصا بعد تسريبات كامبريدج اناليتيكا، لكن هل جربت ان تخيط كل هذا للخروج بخلاصة محددة؟
الخلاصة يا صديقي ان فيسبوك و جوجل تقومان بالتجسس على المستخدمين بشراهة و إستخراج كل ذرة معلومات عنهم، و قد وضحت لنا تسريبات كامبريدج اناليتيكا ذلك بشكل علني، قامت مجموعة من الذباب الإلكتروني ( و هي عبارة عن شركات تقوم بصناعة حسابات مواقع تواصل إجتماعي من أجل توجيه الرأي العام او تغليطه ) و قامت بمعرفة التوجهات السياسية للمستخدمين، ثم نشر منشورات تحفز هؤلاء المستخدمين على ان الرئيس " ترامب " هو الخيار الامثل لتوجيهاتهم السياسية.
لأن الشرح بمثال هو الأفضل، لنقل مثلا ان 100 شخص مثلا يرون ان الرئيس المثالي لهم سيكون شخصا يستطيع مثلا بناء محطة لإعادة تدوير المواد المصنعة، يأتي الذباب الإلكتروني ( بعد إستخراج هذه المعلومة عبر التجسس ) لينشر منشورات و تغريدات يوضح فيها ان للرئيس " ترامب " سياسة البيئة الخضراء و سيقوم ببناء مستودعات خاصة بجمع الازبال و إعادة تدويرها و إستخدامها لاحقا في التسميد او إعادة تدويرها.
هكذا تنحاز شيئا فشيئا تأثيرات المستخدمين للرئيس " ترامب " بسبب تجسس الشركات أولا ثم الذباب الإلكتروني ثانيا، إليك هذا المقطع من سلسلة Silicon Valley يوضح لك أكثر كيفية عمل الذباب الإلكتروني و الـ Farms التابعة له :



4 - تتجسس عليك الشركات كتلبية لطلب حكومات بلدك : 

كم مرة سمعت خبراً عن بلد ما يطلب من فيسبوك تأمين بيانات المستخدمين الخاصين به و توفير معلومات عنهم ؟ بالتأكيد فيسبوك او أي شركة أخرى ترفض علنا ذلك الطلب حفاظا على أخلاقياتها، لكن خلف الستار فهي توفر لها حق الوصول لأي معلومة كيفما كانت، أبلغ مثال على ذلك هو هذا الخبر حول شركة هواوي التي ساعدت كلا من حكومة زامبيا و اوغندا على التجسس على المنافسين السياسيين .
مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت مثل المرج الأخضر الذي يرعى فيه كل المواطنين بالنسبة للحكومة، و رغم تداول أفكار مختلفة و مناهضات قد تضر اي دولة او بلد، فإن هذه الأخيرة تحاول السيطرة عليها بإستباق الأحداث و منعها، و من أجل تحقيق ذلك تحتاج يد العون من طرف منصات كبرى  لتبقي أعينها على هؤلاء الناشطين و تحركاتهم، ربما حظر اي محتوى يسيئ للبلد او يكشف أسراره، ربما إحاطة الأشخاص الذين تراهم الدولة عدواً إلكترونيا لهم، قد شهدنا القبض على الكثيرين من الناشطين بسبب تغريدة او منشور في فيسبوك و غيرها ... تكسب منصات مثل فيسبوك أموالاً طائلةً جدا من هذه العمليات.

5 - او كطلب لحكومات أخرى : 

لا بد انك  سمعت أيضا عن الأزمة بين هواوي و أمريكا خصوصا بقرار ترامب بوقف التعامل الكلي مع شركة هواوي، و قد تكون لديك فكرة عن الأسباب وراء ذلك القرار و قد لا تكون، لذلك دعنا نضعك في الصورة مجددا، الصين قد إستخدمت شركة هواوي من أجل التجسس على تكنولوجيات أمريكية في سباق التطور التكنولوجي، بعدها أعلنت هواوي انها ستبدأ في توفير تقنية الـ 5G قريبا، هذه التقنية التي كانت تطمح أمريكا للوصول إليها اولا، لم ترضى أمريكا ان تكون الثانية خصوصا بشكها الدائم ان الصين قد تجسست على التقنيات الأمريكية بإستخدام أجهزة هواوي و مستخدميها، لذلك إضطرت الى حظرها من البلد، يمكنك ان تتعرف أكثر على ازمة هواوي و أمريكا من هنا .
هنا يدخل أيضا التجسس التكنولوجي للشركات، فهي أحيانا تتجسس على المستخدمين لمعرفة مدى قبولهم لبلدهم، ما السياسات التي تنتهجها البلد و التي تحاول إتاحتها فقط داخل مستوطناتها  ( كما الحال بالنسبة لأمريكا في هذه الحالة التي ارادت إحتكار تقنية الـ 5G لنفسها ).
لذلك نجد ان الكثير من حكومات العالم مثل الصين تمنع إستخدام برمجيات أمريكية داخل بلدها، ففيسبوك و تويتر و جوجل محظورة في الصين و لها بدائل كـ Baidu ، و قد اعلنت جوجل عن مشروع Google Dragonfly و هو محرك بحث خاص بالصين لا يتجسس إطلاقا على مستخدميه، لكن الحكومة الأمريكية رفضت فتم إلغاء المشروع، الأمر سيان في روسيا فهي تعتمد على خدماتها الخاصة كـ Yandex كمحرك بحث و Vkontakte كموقع إجتماعي و تتفادى إستخدام برمجيات أمريكية حتى توقف تجسسها الرقمي عليها عبر المستخدمين بهدف الحصول على معلومات حساسة عن البلد.
عودة بنا الى الماضي كذلك، نجد ان أمريكا قد طردت شركة Kaspersky الروسية المختصة في الأمن و الحماية بعد ان إكتشفت انها تقوم بالتجسس على البيانات الخاصة بعملاء في الـ CIA الأمريكية لتحظرها أمريكا فوراً و إطلاقا.

6 - تتجسس عليك الشركات من أجل تطوير برمجيات / أجهزة / منصات أكثر إحترافية : 

أوه نعم، و أفضل مثال على ذلك الروبوت " صوفيا "، يرى الكثيرون " صوفيا " انها مجرد روبوت عادي يقتبس ما يقوله من خلال محركات البحث او شيئ من هذا القبيل، لكن في الحقيقة هي تقوم بتكوين إيجاباتها، شخصيتها و كل ما تقوله بناء على كم هائل من المعلومات و البيانات و الآراء كذلك، السؤال هنا، من أين حصلت " صوفيا " ( او بالأحرى مطوري صوفيا ) على كل هذه البيانات ؟

لما تسعى الشركات التقنية خلف بياناتك الرقمية و إنتهاك خصوصيتك ؟


من خلال التجسس على عادات الشراء لديك، توجهاتك الدينية، توجهاتك العرقية، ما الذي تحبه و ما الذي تكرهه، ما الذي تفضله و ما الذي لا تفضله، ما الذي يراه الناس مقززا و ما الذي يراه الناس لطيفا، كل هذا تم بنائه عن طريق تجميع لكم هائل من المعلومات عبر مواقع التواصل الإجتماعي و محركات البحث و أي منصة تتجسس عليك في هذا العالم ليتم غرسه في كيان صوفيا في الأخير، كل ما تفعله الآن صوفيا هو فرز و تصنيف و تهيئة هذه المعلومات حسب الحالة، لتخرج بإجابة خاصة بها، او نوع من المشاعر المزيفة.
مثال آخر على ذلك تطبيق FaceApp الذي ظهر مؤخرا، و الذي يقوم بشكل علني بإخذ صورك و إستخدامها في قواعد بياناتهم، توصلنا ببعض التعليقات الساخرة حين أشرنا الى الخبر مثل : لا يهم ان يأخذو صوري فأنا قبيح أصلا، و ما الى ذلك.
ستبيع شركة FaceApp تلك القاعدة الكبيرة من الأوجه و الصور لمنصات تعتمد على الـ DeepFake مثلا، او منصات تقوم بتطوير روبوتات رقمية، او حتى لمطوري صوفيا من اجل إستعاب أفضل لتفاصيل الوجه.


و ختاما : 

يوجد الكثير من الأطراف التي تريد معلوماتك، شركات النزل و الفنادق، شركات التجميل و غيرها، فكلها لديها مصالح لمعرفة مكانك الجغرافي لتعرف افضل الأماكن التي يجب ان تبث فيها فنادقها، او حالتك الصحية لتعرف شركات التجميل حالتك و تستطيع توفير أفضل الحلول لك، كل الشركات الآن اصبحت تعتمد على المعلومات المجمعة من أجل تحقيق غايتها التسويقية، الأمر نفسه بالنسبة لحكومات العالم، البلدان و الدول، المنافسة الغير شريفة بين الشركات الرائدة و غيرها من الأسباب.
لذلك في المرة القادمة التي تكتشف فيها منصة ما تتجسس عليك، فهي لا تريد أكوادك النووية، و هي حقا تعرف و تفهم اللغة التي تكتب بها، و هي تستمر في التجسس عليك من أجل جمع بياناتك لإرسالها لافضل الشركات لتوفر لك أفضل الأجهزة لتقوم بشرائها بأفضل الأسعار و تمشي في الأرض مرحاً كما لو انك إخترت انت تلك الشركة، بينما هي من إختارتك في الأصل ! 

شاركه على :