ظهرت الإنترنت في الستينات، و حتى السبعينات كانت الإنترنت بأكملها تتكون بقراية 50 حاسوب فقط، و في كل فترة او حقبة تميزت الإنترنت بخاصية محددة و عُرفت في الوسط العالمي بتقنية ما، فبين الستينات و حتى الثمانينات عرفت الإنترنت بتقنية حربية و عسكرية، و بعد الثمانينات حين ظهرت شركات مثل مايكروسوفت و آبل عرفت الإنترنت بأنها الوسيلة التي ستجعل حياتنا أفضل، حتى التسعينات كانت تقنية تمكن من البحث عن المعلومة بشكل أسرع بسبب ظهور بعض المواقع و حتى ظهور شركة جوجل في التسعينات، و ربما بعدها الى حدود سنة 2005 تقريبا كانت الإنترنت مجرد وسيلة للبحث عن المعلومة، مشاهدة بعض الفيديوهات، البحث عن وثائق رسمية، لتتحول بعدها بظهور منصات مثل تويتر و فيسبوك الى منصة تواصل عالمية و كما نقوم دائما : " جعل العالم قرية صغيرة "، و قد بقي على حاله حتى العقد الأخير.
لكن الأمر تغير كليا في العقد الأخير، فقد أصبحت الإنترنت وسيلة للتجسس لصالح الحكومات العالمية، لصالح الشركات التي تريد ان تبيع لك أكثر و أكثر، لصالح أشخاص يريدون معرفة ما الذي يدور في عقلك، إذ أصبحت الإنترنت بإختصار وسيلة لتوقع تحركاتك و معرفة طريقة تفكيرك بل و حتى تغييرها، و قد سعدت الحكومات العالمية بذلك في بداية الأمر إعتقادا منها انها وسيلة للسيطرة على توابعها، حتى تفاجأت بالسيطرة على توابعها حقا من طرف حكومات أخرى، و أبسط مثال على ذلك، فضيحة كامبريدج أناليتيكا و إنتخابات أميريكا التي تم التحكم فيها عن طريق روسيا.
- قانون " سيادة الإنترنت " الروسي :
أدركت روسيا التي خربت إنتخابات أميريكا ان الأمر حقا مجدي، فبواسطة الإنترنت فقط إستطاعت فعل ما لم يفعله أفضل جواسيسها الذين أنفقت ملايين الدولارات لتدريبهم، لكن روسيا أيضا أدركت ان ما فعلته ضد أميريكا يمكن أن تفعله أي دولة أخرى ضدها، فسارعت الى تنفيذ ما يسمى بخطة " سيادة الإنترنت - Sovereign Internet " أي خلق إنترنت خاص بها.
فالصين مثلا خشيت من ان يحدث نفس الأمر معها، فقامت بمنع تقريبا جلب المواقع الأمريكية مثل جوجل و فيسبوك و تويتر منذ مدة حتى لا تقع في نفس فخ روسيا لأميريكا، و روسيا تريد فعل المثل، لكن لأنها بلد حرة و مواطنيها أحرار توجب عليها الخروج بإستراتيجية محددة و هي سيادة الإنترنت.
حتى وقت ببعيد كانت " سيادة الإنترنت " الروسية مجرد فكرة عابرة، لكن اليوم صدر قانونها الخاص الذي وافق عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليتم تطبيقه في القريب.
- ما هو قانون " سيادة الإنترنت " ؟
ينص قانون " سيادة الإنترنت " على تفضل الإنتاجات المحلية على الدولية، توفير مثلا محرك بحث روسي (Yandex)، منصة إجتماعية روسية (Vikontakte)، توفير يوتيوب روسي، توفير أي موقع شهير بستايل روسي تتحكم فيه روسيا بالدرجة الأولى، اما بالنسبة للمواقع الخارجية، فستعتمد روسيا على بناء بنية تحتية (Infrastructure) صارمة تقوم بجرد و تحديد أي معلومة تراها، فمثلا أثناء تصفحك لموقع Washington Post الأمريكي سيتعرف الحكومة الروسية انك تفعل ذلك و ستترك لك المجال مفتوحا لتصفح أي مقال داخله، لكن إن نقرت مثلا على مقال على الموقع يسيئ لروسيا او يضرها بأي شكل كان او حتى مقال يهدف الى تغيير نمطيتك او عقليتك فستحظره روسيا من الوصول إليك.
البنية التحتية سابقة الذكر سيتم تنصيبها و بنائها في موسكو في روسيا و ستعمد الى ربط كل الشبكات و شركات الإتصال في مركز واحد، سيتم توفير قاعدة بيانات للمواقع الروسية لتفضيلها على بقية المواقع، كما سيتم إتاحة نطاق روسي جديد مخصص لهذه المواقع، و ستفرض روسيا على مواطنيها تفضيل تصفح المحتوى المحلي على الخارجي، مع ترك الخيارات محدودة أمام المستخدمين لتصفح الإنترنت الخارجي كالمواقع الأمريكية او الأوروبية و غيرها.
- لماذا قانون " سيادة الإنترنت " ؟
بالنسبة للحكومة الروسية فقد صرحت ان هذا القانون و تطبيقه سيساعد روسيا على عدة مستويات أهمها مستوى الأمن و الحماية السيبرانية، بحيث ستخف الهجمات الآن المتعلقة بإستهداف مستخدمي الإنترنت الروس عبر الإنترنت بهدف إستهداف عقلياتهم او تغيير نمطيات حياتهم التي قد تؤثر على روسيا بالسلب، كما سيمكن لروسيا التحكم أكثر في المحتوى الذي يتم نشره عبر منصات التواصل الإجتماعي او المواقع الروسية من أجل الصالح العام كما أشارت الحكومة الروسية.
لكن لقانون " سيادة الإنترنت " الروسي عدة سلبيات على رأسها دحض حرية الرأي العام و غلق الطرق الخارجية المؤدية لإستكشاف العالم الخارجي عبر الإنترنت، فبالنسبة للمستخدم الروسي الآن سيصير مجبراً على متابعة فقط كل ما هو روسي لا عالمي، و سيكون من الصعب عليه البقاء على إطلاع بالمحتوى المنشور عالميا.
- متى سيتم تطبيق هذا القانون ؟
قد كانت فكرة " سيادة الإنترنت " مجرد فكرة عابرة قبل سنوات، لكنها اليوم تخرج إلى النور ليكون قانونا مهما تصادق عليه الحكومة الروسية، و بالرغم من المعارضة الداخلية للمواطنين و المستخدمين الروس لهذا القانون الذي تم تشريعه، إلا ان روسيا ستبدأ الآن ببناء هذه الهيكلة التحتية لهذا القانون و بداية تنفيذه، قد نرى تطبيقه بشكل فعلي بعد بضع سنوات ربما إن لم يواجهه أي عوائق سواء داخلية او خارجية.