منذ الأزل و طفرة الإنسان الشخصية و غرائزه في السيطرة و الحكم سائدة على بقية الكائنات الأخرى، و لم يكتفي الإنسان فقط بالسيطرة على كل الحيوات في كل أرجاء المعمورة، بل أراد الإنسان نفسه ان يسيطر على إنسان اخر و يسوده، لكن سائدين لا يلتقيان، و يجب تنحي أحدها بالطبع، فبدأت - تاريخيا - اعراق و قبائل بمحاولة قتل اعراق و قبائل اخرى في حالة عدم الرضوخ لها دون إتباع اي قانون او اي قواعد للعبة، يتطور الأمر بعد قرون لينهض بعض المتنورين لإدراج قواعد و قوانين للحياة و العيش، ان يستوطنو بقاع المعمورة و يفرضو رئاستهم على أشخاص اخرين تحت إسم قانون معين، محاولين التوسع و التوسع في كل مكان مصدرين قوانين جديدة خاصة بالإستعمار و الإستيطان و نزع الأسلحة و ما الى ذلك، سباق نحو السيطرة و السيادة على بقعة من الأرض في مجموعة شمسية تضم 9 كواكب الأرض يأتي في المركز الثالث من ناحية الصغر، مجموعة شمسية يوجد منها الملايير أضخم و أكبر في عالم شاسع، تكملة لحديثنا، فبعد سنوات من الحروب و الدمار، قرر البشر أخيرا إستعباد إخوانهم البشر بطرق أكثر ذكاء و دهاءا، فصادرو خيرات بلدانهم و طبقو سياسات إقتصادية عنيفة على الآخرين، إبعث كل ما لديك من بترول طبيعي لتشغيل آلاتنا و سنعطيك بعض أطنان السمك لتعيش، فالبترول لا يُؤكل، و لن تعيش الا بواسطتنا، إستيطان إقتصادي محض .
من الواضح انها سيادة عقلية، فرض و سيطرة أفكار معينة على مجموعة من الأشخاص من أجل إستعبادهم عقليا، في حين تسطع انت بذكائك لتحكمهم بشكل أفضل، لقد إستمر الأمر لسنوات لأكون صريحا معك خصوصا بإستخدام الميديا كجزء من الإستعباد العقلي، فلا تعتقد إطلاقا ان اي فلم او مسلسل او برنامج يُعرض لك بشكل لا يُؤذي عقلك العاقل او الباطني، فلكل شيئ أسبابه و أهداف من خلفه .
و لنا الحمد لظهور ثورة الإنترنت، فرغم البعض يقول انها ثورة سلبية - لأن من يقول ذلك الكلام يخشى ان تنحيه من مكانته - الا انها ثورة لا مثيل لها، ثورة اظهرت القوة الفكرية للطبقة العاقلة في كل الشعوب و البلدان و الأعراق، فمنها من حضن و ضم تلك القوة الفكرية و ضمها الى جانبه لإطلاق ثقافات جديدة و أفكار جديدة و جيل جديد مثل الدول الإسكندنافية، و منها من أراد قمعها و ضغطها و معاقبة كل من يريد التباهي بقوته العقلية كما الحال في الدول العربية، فكانت النتائج كارثية، ربيع عربي في كل ارجاء المعمورة، و ذلك عائد لأن الجاهلين حكمو العقلاء، فرفض العقلاء سيادتهم، و الجاهل لا يعرف سوى العنف و الدمار، كما ذكر التاريخ مرارا و تكرارا، و الجاهلون بالتاريخ محكوم عليهم بتكراره .
و لا شك ان للفيسبوك و اليوتيوب حصة الأسد من هذه الثورات الفكرة و الرقمية العربية الجديدة، 4 أوصاف لهذه الثورة تتناسب مع بعضها، إذ ان اليوتيوب اصبح اليوم منصة للعديد من الأشخاص الذين يفرضون أفكارا عقلانية قد تفشل خطة الدولة الحاكمة التي لطالما حبكتها على مر سنوات من تحكم عقلي، فهؤلاء الأشخاص قادرون على تدمير الخطة كاملة، فكان لا بد من إتخاذ قرار بأي شكل كان، حقا بأي شكل كان .
ففي مصر الشقيقة، قرار لا رجعة فيه و لا طعن فيه تم إصداره في سنة 2018 من أجل غلق موقع اليوتيوب لمدة شهر بسبب فيديو مسيئ للرسول صلى الله عليه و سلم، سبب غير مباشر بالطبع، فاليوتيوب منصة حرة للجميع حق التعبير فيها، مادامت حريتك لا تضر الآخر بالطبع، و تتكلف اليوتيوب بحذ ذاتها بإيقاف تلك الفيديوهات و المنشورات، فلليوتيوب سياسة صارمة بخصوص الأفكار الخاطئة و الأخبار الكاذبة، و لديها نظام ذكي لتعقب هكذا محتوى، و حتى في حالة الزلة، فاليوتيوب تدرس و تتعقب مستخدميها بالطبع و توفر لهم دائما محتوى يناسب عقلياتهم و قدراتهم من جميع النواحي ( العقلية، الشرائية ...)، أي فيديو يحمل كل معاني الإساءة للرسول من المفترض ان تحذفه اليوتيوب تلقائيا، في حالة لم تفعل ففي الغالب لن يظهر لك و لن تقوم بشهيره في وجهك، و في الغالب أشخاص محددين قامو بتشهيره في وجه إخوانهم من أجل إثارة غضبهم، أشخاص ربما ينتمون لطبقيات و أطراف معينة لديها أهداف خاصة بالطبع، و من المحتمل ان يكونو هم نفسهم المسؤولين على الفيديو، ليس هذا فقط، بل اليوتيوب لا تتحمل تلك المسؤولية إطلاقا لأن المحتوى ينشره المستخدم و ليس الموقع، و توفر لك المنصة خاصية Report و Flag من أجل التبليغ عن المحتوى التي تأخذه اليوتيوب بجدية كبيرة، كان بإمكانك - كوزارة داخلية لمصر - ان تقوم بالتبليغ على الفيديو و مراسلة اليوتيوب من أجل حذفه تلقائيا، دون الأخذ في طوائف لغلق منصة اليوتيوب كاملة .
فغلق منصة اليوتيوب يكلف الكثير و الكثييير، و حقا الكثير يمكنك ان تدرس الأمر، فاليوتيوب تابع لجوجل، و غلق اليوتيوب يعني تجريد جوجل من أحد خدماتها، و جوجل خدامتها متكاملة تقريبا، و للوزارة حلين لا ثالث لهما من أجل تحقيق ذلك، إما غلق كل خدمات جوجل من بينها محرك البحث، البريد الإلكتروني جيمايل، خدمات الإعلان ادووردرز و ادسنس و غيرها، او ان تعيد بناء توجيه من الصفر يتطلب ميزانية ضخمة ربما و وقت اكبر من اجل تجريد اليوتيوب بعيدا عن خدمات جوجل .
لكن المعضلة الكبرى ان الدعوى مفتوحة منذ سنة 2012، يا رجل بعد 6 سنوات تتذكرونها ؟ لقد نسي الناس الفيديو حقا، و ادركو انه فقط محاولة لا طائل منها فهو يحاولون تشويه صورة الإسلام و الدين كل يوم، فلما تلتفت لهم من أساسه؟ يحاولون دائما إستفزازكم و تسقطون في نفس الفخ دائما .
دعني اخبرك بنظريتي الفريدة و التي تقريبا يشاطرني إياها العديد من المستخدمين على الإنترنت ( حسب مجموعات فيسبوك مصرية كبيرة التي نشرت العديد من المنشورات حول آرائها في هذا الأمر و الذي اتفق معه تماما )، السبب وراء إسترجاع هذه الذكرى هو محاولة التقليل من الهيجان الفكري الذي تعيشه مصر على اليوتيوب من برامج أسبوعية عبارة عن كبسولات تساعد الناس على الإستفاق من التنويم الذي تمارسه الحكومة المصرية، فالحكومة المصرية قد أصبحت حقا لا تراعي المواطنين إطلاقا و تعلن عن احداث و اعمال و إصدارات حقا تهيج المواطنين، و ليس لديهم أي مكان لتفريغ غضبهم سوى منصات التواصل، خصوصا اليوتيوب، و قطع اليوتيوب لمدة شهر محاولة من مصر من أجل التقليل من هذا الهيجان، و ستأتي بخطط اخرى أكثر شراسة إن استمر هذا الهيجان الفكري في مصر، فأعانكم الله يا إخواني المصريين، و تذكرو إستخدام VPN من أجل تصفح اليوتيوب، فالثورة الرقمية أبعد من مخططاتهم بسنوات ضوئية، عديــــــــــــدة .
حمدا لله انه كان من بين الشعب المقاطع أشخاص درسو كتبا درسها الاعلام المغربي و رؤوس الإقتصاد، كتب تخبرك ان الخطة الأولى لزحزحة اي جماعة متفقة على شيئ هي محاولة تفرقتها بالخيانة، و تضليلها انها مُسيرة من طرف جهات معادية، لكن ما علينا، فقد إستمرت المقاطعة لمدة شهر كامل، شارك فيها نصف المغاربة ان لم يكن أكثر، بدون صراخ او ضرب في الشارع، مجرد كايبل انترنت و حساب فيسبوك مجاني و بعض الموسيقى الجاز في الأذن، جعلت صاحب أكبر محطة محروقات في المغرب تنخفض ثروته من 2.2 مليار دولار الى 1.9 مليار دولار في أقل من 30 يوما ( حسب موقع فوربس )، و جعل زعيمة المياه في المغرب يتم ركلها خارج الحكومة المغربية تعويضا بحاكم اخر، و إخضاع شركات الحليب على الأرض مقدمة إعتذاراتها و توسلاتها من أجل إقتناء منتجاتها، بل انها ستقدمها لك مجانا طمعا في عدم ضياع المخزون، حدث نفس الأمر في كل من تونس و الجزائر و ربما كانت النتائج كارثية .
لا أدري حقا ان كان قرارهم ناتج عن عقل واعي، ام جهل بالنظام المعلوماتي، ام نقص في العقل المنطقي، لأن هذا القرار بعيد الأمد بعدا شاملا، بل مستحيل تطبيقه إطلاقا، فالفيسبوك بحذ ذاتها تعاني من الـ Fake News او الأخبار الزائفة، و دفعت ازيد من 50 مليون دولار غرامات مالية و لازالت تدفع و لازالت غير قادرة على حل المشكل، الكونغرس الأمريكي ذو التقنيات الخارقة و نظام الـ Silicon Valley لم يستطع إيقاف الفيسبوك عن حده، و دعاه لمحاكمة للإدلاء بالتصريحات ربما صعبة التحقيق او الهيكلة او التحكم، ثم البرلمان الأوروبي الذي لم يستطع هو الآخر فعل نفس الأمر و إيقاف انتشار الاخبار و المعلومات الزائفة و المنشورات الخاصة ببيع اشياء غير قانونية حتى مع قدرات الفيسبوك التجسسية الهائلة، فيُزندق شخص ربما لا يعرف الفرق بين الحاسوب العادي و الحاسوب الكمي، في دولة من دول العالم الثالث التي لازالت تستخدم إنترنت حلزونية تريد هيكلة المنشورات و مراقبتها و الحد من إنتشارها على الفيسبوك .
إن مشكلة مصر و المغرب من وجهة نظر الحكومتين لا يمكن حلها الا بغلق مواقع التواصل، فالتواصل اساسي من أجل توعية اشخاص و ايصال افكار من اشخاص لأشخاص اخرين بنية حسنة بعيدا عن ميديا مهيكلة ذات نوايا خفية، و تذكر دائما صديقي، يوجد دائما شيئ إسمه VPN، و Tor و انظمة لينكس مثل Whois التي تستطيع تجاوز كل عقبات إيقاف الـ ISP و الحكومة، فعاش الـ VPN و تبا لكل شخص يحاول قمع عالم الرقمية، في حين تتجادل دول متقدمة لإحتضانه بكل فرح .